اكتشف كيف تُعيد النهضة العمرانية في السعودية تشكيل قطاع المشتريات من خلال المشاريع العملاقة، والإصلاحات القانونية، ومبادرات المحتوى المحلي.
June 13, 2025
تشهد المملكة العربية السعودية نهضة عمرانية غير مسبوقة، تُعدّ من بين الأكبر على مستوى العالم، مدفوعة برؤية السعودية 2030 واستراتيجية استثمار حكومية تعيد تشكيل مستقبل البلاد الاقتصادي والبُنى التحتية. مع توقعات بنمو إنتاج قطاع الإنشاءات بنسبة 4.4% في عام 2025، وميزانية مخصصة تتجاوز 1.3 تريليون ريال سعودي (342.7 مليار دولار)، بات هذا القطاع مركزاً للفرص والتحوّل بالنسبة للمتخصصين في المشتريات والموردين والمقاولين من جميع أنحاء العالم.
في قلب هذا التحول تقف "المشاريع العملاقة" لرؤية 2030، التي لا تعيد فقط تشكيل خارطة البناء، بل تعيد تعريف الممارسات الشرائية في المملكة ككل. من أبرزها مشروع نيوم، الذي تتجاوز ميزانيته 500 مليار دولار، ويغطي مساحة 26,500 كم² في منطقة تبوك. يشمل نيوم مناطق مثل THE LINE (مدينة خطية بطول 170 كم)، وTrojena (وجهة سياحة جبلية)، وOxagon (مدينة صناعية عائمة)، مما يطرح تحديات معقدة في إدارة المشتريات تتطلب تقنيات متقدمة، ومعايير استدامة صارمة، وتعاونًا عابرًا للقطاعات.
أما مدينة القدية الترفيهية بقيمة 40 مليار دولار، فتشهد تقدماً سريعاً، حيث تم إنجاز 89% من مدينة Six Flags Qiddiya، و84% من مدينة Aquarabia، و77% من ملاعب الغولف، في دلالة واضحة على مدى تنسيق سلاسل الإمداد وضبط تنفيذ المشاريع.
كما يُركّز مشروع البحر الأحمر، الممتد على 28,000 كم² بميزانية 20 مليار دولار، على السياحة البيئية، مع طموح لاستقطاب مليون زائر سنوياً والحفاظ على 75% من المنطقة لأغراض الحماية البيئية.
وتكمل المشهد مشاريع كبرى مثل المربع الجديد (50 مليار دولار)، بوابة الدرعية (63.2 مليار دولار)، ووسط جدة (20 مليار دولار)، والتي تشكّل فرصاً تاريخية في مجال المشتريات، وتتطلب استراتيجيات سلسلة توريد مرنة وقابلة للتكيف بسرعة.
ضمن ميزانية 2025، خصصت المملكة إنفاقاً غير مسبوق يبلغ 1.3 تريليون ريال سعودي، يتركّز معظمه في البنية التحتية، والإسكان، والنقل. وتشير تقارير من أواخر 2024 إلى نمو سنوي بنسبة 33.8% في الإنفاق على مشاريع رؤية 2030، ما يعكس التزاماً حكومياً ثابتاً بتحقيق التحول الوطني.
من المتوقع أن يستمر قطاع البناء في النمو بمعدل سنوي 5.4% خلال الفترة 2026–2029، مدفوعاً بتوسّع المشاريع السياحية، وتنوع الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية. ويتولى صندوق الاستثمارات العامة (PIF) تمويل المشاريع العملاقة، إلى جانب تعزيز مأسسة عمليات الشراء من خلال معايير واضحة وآليات رقابة فعالة.
كما أُعيد هيكلة الإطار القانوني للمشتريات عبر نظام المنافسات والمشتريات الحكومية (الصادر بالأمر الملكي رقم م/128) والذي دخل حيّز التنفيذ في ديسمبر 2019، حيث عزز من:
تظل أدوات التوريد متنوعة بين المناقصات العامة، والمحدودة، والمشتريات المباشرة، لكنها اليوم تخضع لإشراف مركزي صارم من وزارة المالية، مما يضمن بيئة أكثر استقراراً وجاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.
واحدة من أبرز التحولات في المشتريات السعودية هي التوجّه الحازم نحو تعظيم المحتوى المحلي، وذلك من خلال برنامج اكتفاء (IKTVA) الذي أُطلق عام 2015 بهدف جذب الاستثمارات الداخلية، وتنويع الاقتصاد، وزيادة التوظيف.
تماشيًا مع رؤية 2030، تحظى الفئات التالية بأفضلية واضحة عند التقييم:
وينص المادة التاسعة من نظام المشتريات على إدراج هذه المعايير ضمن معادلة التقييم، مما يدفع الشركات الدولية إلى تأسيس شراكات محلية، وتبادل الخبرات، واستثمار طويل الأمد في البنية التحتية. هذا التوجه مؤثر بشكل خاص في قطاع المشتريات الإنشائية، حيث تزدهر الفرص لتوريد المواد والمعدات والخدمات الهندسية من السوق المحلي. وكلما زادت مساهمة الشركة في المحتوى المحلي، زادت فرصتها في الفوز بالعقود الحكومية.
ما يحدث في قطاع الإنشاءات السعودي اليوم ليس مجرّد طفرة مؤقتة، بل تحوّل جذري في دور المشتريات. لم يعد دور مسؤولي الشراء تنفيذ الطلبات فقط، بل أصبحوا فاعلين استراتيجيين في إدارة المخاطر، وفهم الأنظمة، وتحقيق القيمة في سلاسل توريد متعددة المراحل.
ينبغي لهم:
الشفافية والمساءلة باتتا أساسيتين، مما يوفر بيئة منافسة صحية، لكنه يرفع أيضًا عتبة الدخول، فلا يمكن للمنافسة أن تنجح دون موارد مالية وتقنية وإدارية متقدمة. ومع ذلك، يظل الباب مفتوحًا أمام الشركات الصغيرة ومقدمي الخدمات المتخصصة عبر عقود الباطن أو الشراكات، خاصة في ظل احتياج المشاريع الكبرى إلى سلاسل توريد مرنة وفعّالة.
الطفرة العمرانية في السعودية، المدفوعة برؤية 2030، تُعيد صياغة مشهد المشتريات على مستوى المنطقة. مع مشاريع تتجاوز تريليون ريال سعودي ونمو متوقع بنسبة 4.4% في 2025، باتت المملكة وجهةً رئيسيةً لكل من يملك الخبرة والمرونة والقدرة على التكيّف مع بيئة تنظيمية متطورة. الإصلاحات، وتركيز الدولة على المحتوى المحلي، والاستثمار الحكومي الهائل، كلها عوامل تصنع سوقًا واضح المعالم، غنية بالفرص، وواعدة بمستقبل استثنائي. وعلى محترفي المشتريات أن يرتقوا بدورهم، من منفّذين إلى قادة استراتيجيين، في واحدة من أكثر التجارب التنموية طموحًا في العالم.